3 Comments

I can't find the facebook post. Was this posted recently? I also cant see it on Shaykh's Telegram channel. Can you share the link or the original arabic?

Expand full comment
author

تحقيقات في مفهوم العبادة (4) مفهوم العبادة عند الإمام النووي

المتتبع لكلام الأئمة المتقدمين يجد أنهم لم يهتموا كثيرا بتحرير تعريفات وحدود مفردة في مفهوم العبادة من حيث هي , ويبدو أن ذلك راجع إلى ظهور معناها لديهم وجلائه . ومع ذلك فالمستقرأ لكلامهم وتقريراتهم يجد مواد كثيرة تدل على مفهوم العبادة عندهم بشكل ظاهر . ومن العلماء الذين يمكن أن نحرر مفهوم العبادة عندهم من خلال تقريراته العامة : الإمام النووي , فإن له تأصيلات وتقريرات مفيدة في هذه القضية . ويدل مجموع ما وقفت عليه من كلامه على أنه لا يشترط في مفهوم العبادة اعتقاد الربوبية استقلالا أو تأثيرا أو مغالبة لله تعالى , وأن حقيقة الشرك يمكن أن تنطبق على المعين من غير أن يعتقد الربوبية في المخلوق على أي جهة كانت . وكلامه الذي يدل على ذلك متعدد , ومنه :

الموطن الأول : يقول النووي في حكم الوثني وكيف يدخل الإسلام :"الوثني إذا قال: لا إله إلا الله، فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى، صار مؤمنا. وإن كان يرى أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى، لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الوثن" ومعنى كلام النووي : أن الوثني المشرك له حالتان : الأولى : أن يعظم وثنه معتقدا فيه أن يشارك الله في ربوبيته إما على جهة التساوي أو الدونية . الثانية : أن يعظم الوثن من غير أن يعتقد فيه الربوبية وإنما لأجل أن يقربه إلى الله . وهذا التقسيم للوثني يدل على أن النووي -ومعه من يوافقه على هذا التقرير من الشافعية- أن الشرك قد يتحقق في المرء من غير اعتقاد معنى الربوبية في المخلوق .

فإن قيل : كيف أتيت بالربوبية وهو لم يذكر إلا الخالقية فقط ؟ قيل : تركيب كلامه وتقسيمه يدل على أنه يقصد بالخالقية معاني الربوبية ، لأنه جعل عدم الخالقية مساوية لطلب الزلفى فقط . ثم من المستبعد أن يحصر النووي مناطات الشرك في الخالقية فقط ، ومن المستبعد أن يحصر الوثنيين الذين يساوون أصنامهم بالله في صفة الخالقية فقط ، فهذا الصنف قليل الوجود جدا في البشر . وقد تواصلت مع أحد الشيوخ الشافعية , وطلبت منه شرح كلام النووي وعرضت عليه فهمي لنتيجة كلام النووي وأيد ذلك وأقره .

الموطن الثاني : حين تعرض لمفهوم العبادة قال :"العبادة فهي الطاعة مع خضوع , فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا معرفة الله تعالى والإقرار بوحدانيته فعلى هذا يكون عطف الصلاة والصوم والزكاة عليها لإدخالها في الإسلام .... ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا فيدخل جميع وظائف الإسلام فيها".

فهو في هذا الموضع حين ذكر مفهوم العبادة جعلها قائمة على معنى الطاعة والخضوع , فإذا جمعنا هذا التقرير مع تقسيم لأحواله الوثني , يتحصل لنا بأن اعتقاد الربوبية في المخلوق ليس شرطا في العبادة .

الموطن الثالث : حين ذكر أقوال أصحابه وغيرهم في حد العبادة قال :"اختلف العلماء في حد العبادة , فقال الأكثرون العبادة الطاعة لله تعالى , والطاعة موافقة الأمر وكذا نقل هذا عن المصنف. وذكر المصنف في كتابه في الحدود الكلامية الفقهية خلافا في العبادة , فقال : العبادة والتعبد والنسك بمعنى , وهو الخضوع والتذلل , فحد العبادة ما تعبدنا به على وجه القربة والطاعة. قال : وقيل : العبادة طاعة الله تعالى , وقيل : ما كان قربة لله تعالي وامتثالا لا مره. قال : وهذان الحدان فاسدان , لأنه قد يكون الشيء طاعة وليس بعبادة ولا قربة , وهو النظر والاستدلال إلى معرفة الله تعالى في ابتداء الأمر. وقال إمام الحرمين في كتابه "الأساليب في مسائل الخلاف" : العبادة التذلل والخضوع بالتقرب إلى المعبود بفعل ما أمر. وقال المتولي في كتابه في الكلام : العبادة فعل يكلفه الله تعالى عباده مخالفا لما يميل إليه الطبع على سبيل الابتلاء , وقال الماوردي في الحاوي : العبادة ما ورد التعبد به قربة لله تعالى وقيل أقوال أخر وفيما ذكرناه كفاية"

وهذا النص يدل على مفهوم العبادة -دلالة لا بأس بها- من جهة أن كل التعاريف التي ذكرها عن الشافعية المتقدمين ليس فيها إشارة إلى تقييد مفهوم العبادة باعتقاد الربوبية في المخلوق استقلالا أو تأثيرا , ولو كان فيها دلالة على ذلك لما ذكر النووي أن في المشركين من لا يعتقد الربوبية في معبوده .

الموطن الرابع : أنه حين تعرض للأفعال المحتملة , وذكر المناطات المؤثرة في كونها عبادة أو لا , لم يذكر التقييد بالربوبية , وإنما أعرض عنه وذكر قيودا ترجع إلى مفهوم التعظيم والعبادة التي قررها هو في كتبه , ومن ذلك قوله :

" أما لذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى صلى الله عليهما أو للكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا أو يهوديا نص عليه الشافعي واتفق عليه أصحابنا فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا" .

فقد جعل النووي المناط المؤثر في الفرق بين الحالين اعتقاد التعظيم والعبادة , وهو قد ذكر في كتبه ما يدل على طبيعة كل وصف منهما , فلا يجوز أن يحمل كلامه إلا على ما قرره هو لا ما قرره غيره . ولو كان المناط المؤثر عنده في هذه الأحوال هو اعتقاد الربوبية في المخلوق المذبوح له أو المسجود له لذكره تحقيقا للبيان ودفعا للإيهام الذي يدل عليه كلامه في كتبه الأخرى

‎إشكال : فإن قيل : النووي ذكر أن المشركين يعتقدون أن الأحجار تنفع وتضر بذاتها , حيث يقول معلقا على قول عمر بن الخطاب في شان الحجر الأسود :" وإنما قال وإنك لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قربى العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيما ورجاء نفعها وخوف الضر بالتقصير في تعظيمها وكان العهد قريبا بذلك فخاف عمر رضي الله عنه أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه فبين أنه لا يضر ولا ينفع بذاته"

قيل : هذا ليس مشكلا ؛ لأن عبارة "بذاته" لا تدل بالضرورة على أنه يقصد أنه مستقل بالنفع والضر على جهة المشاركة لله أو المغالبة , وإنما يحتمل أنه يقصد أن ذلك يأتي من قبله وجهته , أي أنهم يقصدون أن الله جعل الضر والنفع في ذات الحجر . ومثل ذلك مثل قول العلماء : العقل يحسن ويقبح بذاته , فإنهم لا يقصدون أن العقل مستقبل بذلك على جهة المشاركة لله أو المغالبة , وإنما يقصدون أن فيه خاصية الإدراك للحسن والقبح , ومنه قول النووي :" العقل لا يوجب شيئا ولا يحسنه ولا يقبحه ، وإنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته" .

ثم على القول بأنه يقصد أن كفار العرب يعتقدون أن الحجر ينفع ويضر بذاته استقلالا عن الله , فإن ذلك لا يعني أنه يقيد مفهوم العبادة باعتقاد الربوبية , وغاية ما يعني أنه يرى أن بعض المشركين يعتقدون ذلك فقط , وهو ذكر أن هناك صنفا آخر لا يعتقد ذلك كما سبق في أول الكلام.

Expand full comment
Aug 8·edited Aug 8

Things that aren't talked about us that many of the ibadat that we are supposed to be directed to the one and only Illah or Rab (especially when it comes to His claim to legislate) is directed towards our tyrant and treasonous rulers.

Expand full comment